أخبار عاجلة

رمضان في مصر حــاجــة تــانـيـة

الزينة تعكس فرحة الناس وتعلن قدوم الشهر الكريم

الفانوس يضيء ذاكرة الطفولة ويجمع بين الأجيال

    

تقرير : هدير محمد  – هلا سعيد

في مصر، لا يُعدّ شهر رمضان مجرد عبادة أو صيام، بل هو طقس اجتماعي وإنساني وروحي، تنبعث فيه الحياة بروح مختلفة. تبدأ ملامحه قبل أن يُعلن الهلال، وتظل تتفتح يومًا بعد يوم على شكل مشاهد نابضة تمتزج فيها الروحانية بالبهجة، والهدوء بالحنين. إنه شهر ينتظره الناس ليس فقط لأداء الفريضة، بل ليستعيدوا فيه مشاعر نادرة من الدفء والتراحم والانتماء.

ومع أول ليلة، تبدأ مصر في ارتداء ثوبها الرمضاني الكامل: فوانيس تتدلى من الشرفات، زينة ملونة تمتد على طول الشوارع، أصوات التواشيح تملأ المساجد، وروائح الطعام ترتفع من نوافذ البيوت. في رمضان، يتغير إيقاع الحياة بالكامل، وتتشكل ذاكرة جمعية لا تنساها الأجيال.

فانوس رمضان ذاكرة مضيئة عبر الزمن

في يد كل طفل مصري تقريبًا، يظهر “فانوس رمضان” كرفيق درب لا يُفارق. قد يكون مصنوعًا من الصفيح الملوّن، أو من البلاستيك المعاصر، لكنه يظل رمزًا متجذرًا في الوجدان الشعبي. منذ قرون، ارتبط الفانوس بقدوم الشهر الفضيل، وتحوّل إلى تقليد يربط بين الأجيال. الأطفال يجوبون به الشوارع مرددين الأغاني التراثية، والكبار يعلّقونه كإعلان صامت عن فرحة الداخل.

وفي أسواق مصر القديمة، مثل سوق السيدة زينب والغورية، تقف الفوانيس كأنها قطع فنية، تتنافس في الجمال والحرفية، وتعيد لزائريها شعورًا طفوليًا دافئًا لا يتكرر.

التمر… أول ما يلامس اللسان عند الإفطار

على كل مائدة مصرية، يظل التمر أول الحاضرين. فهو ليس مجرد تقليد، بل استحضار لسنّة النبي ﷺ في الإفطار عليه. تختلف أنواعه بين السكري والصعيدي والبلح الأحمر، لكن مذاقه يظل مرتبطًا بلحظة الصفاء قبل الأذان، حين تُمدّ اليد على أول ثمرة، وتُرفع الدعوات في صمت.

التمر أيضًا له بعد اقتصادي واجتماعي في مصر، فأسواق البلح تنشط قبل رمضان بأسابيع، وتتحول إلى ملتقى للناس والبائعين، يُزيّنون المتاجر بعبارات ترحيب بالشهر، وتُعرض الأنواع بطرق تبهج العين والروح معًا.

الزينة الرمضانية… فرح شعبي بلون الروح

لا يكاد يخلو حي أو شارع من الزينة الرمضانية. شرائط ملوّنة، أوراق على شكل نجوم وهلال، زخارف ذات طابع إسلامي، تتدلّى بين المنازل وتبث طاقة إيجابية لا تُقاوم. الصبية يتسابقون في تعليقها، والنساء يحرصن على تجميل الشرفات بها، في مشهد جماعي يعبّر عن روح التلاحم الشعبي.

حتى الأحياء الشعبية البسيطة، التي قد تفتقر للخدمات، تجد فيها الزينة الرمضانية حاضرة بقوة، لتؤكد أن الفرح لا يحتاج إلى مال بل إلى نية طيبة ورغبة في الحياة. في هذه الزينة، يُترجم المصريون حبهم للشهر، في احتفال صامت لكنه نابض.

روح رمضان في الشارع المصري… حين يصبح الناس عائلة

الشارع المصري في رمضان هو صورة متكاملة للروح الجماعية. قبل المغرب بدقائق، ترى الشباب يوزعون التمر والماء على المارة، وتسمع دعوات عابرة من الغرباء، وابتسامات صادقة بلا معرفة مسبقة. على الأرصفة، تُمد الموائد لتُطعم الغريب قبل القريب، وتُزرع الرحمة في كل زاوية.

شارع المعز… حين يتحول التاريخ إلى مسرح رمضاني

شارع المعز، بجدرانه المزخرفة ومساجده العتيقة، يتحوّل في رمضان إلى متحف مفتوح للحياة. تتلألأ الأنوار على مآذن العصر الفاطمي، وتتمازج أصوات التواشيح والابتهالات مع ضحكات الزوّار. الباعة يفترشون الأرصفة، والمقاهي تمتلئ بالناس حتى ساعات السحور، بينما تتصاعد رائحة القهوة والمشروبات الرمضانية.

في هذا الشارع، لا تحتفل الجدران فقط، بل يحتفل التاريخ ذاته. كل زاوية تحكي عن تقاليد عريقة، وكل صوت من المآذن يُعيد للقلوب نبضًا من الطمأنينة. إنه مشهد لا يُكتب، بل يُعاش.. فرمضان في مصر هو شهر اجتماعي بامتياز، تتقوى فيه العلاقات، ويُجبر فيه الخاطر، وتُغفر الزلات.

رمضان..  حكاية لا تنتهي

رمضان في مصر ليس حكاية تُروى، بل مشهد يُعاش، يتكرر كل عام لكنه لا يُشبه نفسه. إنه زمن تُولد فيه الذكريات، وتُبنى فيه جسور بين القلوب. من فانوس طفل إلى تمر الجد، ومن زينة الأزقة إلى أصوات التراويح، تكتب مصر في كل رمضان فصلاً جديدًا من سيرة شعب لا يفقد بهجته، ولا يتوقف عن الحلم حتى في لحظات الصيام.

عن admin

شاهد أيضاً

فسيخ ورنجة وبيض ملون .. عادات وتقاليد المصريون في «شم النسيم»

تقرير ميرنا أحمد شم النسيم هو عيد مصري قديم يحتفل به المصريون منذ آلاف السنين، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *