أخبار عاجلة

الخط العربي.. فن يروي حكاية حضارة خالدة

مدير مدرسة السعدية للخط: الخط الكوفي كان البداية الحقيقية لظهور التنوع في الخطوط العربية

الخطاط حمدي عواد: الخطوط العربية جزء من هويتنا الثقافية ويجب أن نهتم بها منذ الصغر

التعليم في مدارس الخطوط يحتاج إلى ست سنوات ليصبح الطالب محترفا

تقرير : ميسون ايهاب / دنيا طارق

يحتفل العالم سنويًا باليوم العالمي «للغة العربية» منذ أن أدرجت ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة في 18 ديسمبر، مسلطًا الضوء على أهميتها كركيزة أساسية في حفظ التراث الثقافي والحضاري للإنسانية. ومن بين مظاهر هذا الإرث العريق، يبرز فن الخط العربي كأحد أعظم الفنون الإسلامية التي تجمع بين الجمال والتعبير الفني.

نشأة الخط العربي وتطوره

نشأ الخط العربي في بداياته مع تدوين القرآن الكريم ليصبح رمزًا للهوية الثقافية ووسيلة للتعبير الجمالي، وقد تطور هذا الفن عبر العصور، من الخطوط الكوفية القديمة التي زينت بها المصاحف، إلى الخطوط الأكثر حداثة مثل النسخ والثلث والرقعة، التي تعكس التنوع الفني لهذا الخط، ويرتبط الخط العربي ارتباطًا وثيقًا بالزخرفة الإسلامية، حيث زينت به المساجد والقصور، بالإضافة إلى استخدامه في نسخ المخطوطات والكتب، خاصة القرآن الكريم.

مراحل تطور الخط العربي

تطور الخط العربي عبر العصور الإسلامية المختلفة من الخطوط البدائية التي ظهرت قبل الإسلام مثل الخط الحجازي والكوفي، إلى الأنواع الأكثر تعقيدًا وجمالًا التي ظهرت لاحقًا مثل الثلث، النسخ، والديواني. في العصر الأموي، تم تطوير النقاط والتشكيل لتسهيل القراءة.

وفي العصر العباسي، شهد الخط العربي ازدهارًا كبيرًا حيث ظهرت أنواع جديدة تلبي الاحتياجات المتنوعة للكتابة والتدوين، وفي العصر الحديث، ظهر ابتكار جديد مثل «خط التاج» الذي أبدعه الخطاط المصري «محمد محفوظ» في عهد الملك فؤاد. هذا النمط الجديد من الخط أضاف لمسة معاصرة للحروف العربية مع الحفاظ على جذورها الكلاسيكية.

الخطاط حمدي عواد

وفي لقاء خاص مع الخطاط «حمدي عواد»، تحدث عن رحلته الطويلة مع هذا الفن وأهميته في الحفاظ على الهوية الثقافي، قال عواد، الذي أمضى أكثر من 50 عامًا في ممارسة وتدريس الخط العربي: بدأت رحلتي مع الخط عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، وعلمت نفسي بنفسي في البداية قبل أن ألتحق متأخرًا بمدرسة الخطوط، هناك تعلمت على يد الخطاط الكبير «خضير البورسعيدي»، الذي يعتبر من أعظم الخطاطين في العالم العربي، واحتضنني وعلمني أسرار هذا الفن حتى أصبحت أستاذًا في الخط العربي.

أضاف عواد: الخط العربي من أجمل الفنون التي يمكن أن يتعلمها الإنسان، وقد تطور من كتابة القرآن الكريم بالخط العثماني والكوفي إلى ظهور أنواع أساسية مثل خط الثلث، النسخ، الرقعة، الفارسي، والديواني، هذه الأنواع الخمسة تعتبر أساسًا لأنواع أخرى ظهرت عبر التاريخ مثل الخط الحجازي والمدني.

أهمية تعليم الخط العربي

أكد عواد على أهمية تعليم الخط العربي منذ الصغر، قائلاً: الخط العربي يجب أن يكون مادة أساسية في المدارس، تعليم الأطفال خط الرقعة كونه من أسهل الخطوط وأكثرها جمالًا هو الخطوة الأولى. عندما كنت أدرس للطلاب في المدارس الإعدادية والثانوية، كنت ألاحظ شغف الطلاب بهذا الفن، لكن أعتقد أن البداية يجب أن تكون في مرحلة أصغر.

وأشار إلى أن التعليم في مدارس الخطوط يحتاج إلى ست سنوات ليصبح الطالب محترفًا.. حيث يتعلم خلال أول أربع سنوات أساسيات الخطوط العربية، ثم يدخل مرحلة التخصص لمدة عامين، بمجرد الانتهاء من هذه المراحل، يصبح الطالب متمكنًا وقادرًا على الإبداع.

أصعب وأسهل الخطوط

تحدث عواد عن أصعب وأسهل الخطوط قائلاً: من أصعب الخطوط هو خط «الثلث» خصوصًا في كتابة التركيبات التي تتداخل فيها الجمل والكلمات، هذا الخط يتطلب مهارة عالية ودقة كبيرة ولا يُتقنه إلا من يتمتع بموهبة وخبرة طويلة. أما أسهل الخطوط فهو خط الرقعة الذي يتم تدريسه للأطفال والطلاب، بالإضافة إلى خط النسخ الذي يُعرف بالسهل الممتنع لجماله ووضوحه.

وأشار إلى الخط الكوفي قائلاً: «الخط الكوفي يعد من أقدم الخطوط وكان يستخدم في كتابة القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان. هذا الخط يحتاج إلى دقة وتناغم في الكتابة ويتم رسمه باستخدام المسطرة حتى يصبح متناسقًا، مما يجعله تحديًا حتى للخطاطين المحترفين.»

رسالة إلى الأجيال الجديدة والدولة

اختتم حمدي عواد حديثه برسالة إلى الأجيال الجديدة والدولة قائلاً: يجب أن نهتم بتعليم الخط العربي لأنه ليس مجرد وسيلة للكتابة بل هو جزء من هويتنا الثقافية. أتمنى أن تتبنى الدولة هذا الفن وتعيده إلى مكانته في المناهج الدراسية.

دور مدرسة السعدية للخط العربي

بعد لقائنا مع الخطاط حمدي عواد، التقينا بالأستاذ عبد الحميد، مدير مدرسة السعدية للخط العربي بالجيزة، الذي حدثنا عن دور المدرسة في الحفاظ على هذا الفن الأصيل وتاريخه العريق. تأسست المدرسة عام 1960، ومنذ ذلك الحين خرجت أجيالًا من الخطاطين الذين ساهموا في نشر جماليات الخط العربي سواء داخل مصر أو خارجها.

تحدث الأستاذ عبد الحميد عن نشأة الخط العربي في البيئة العربية، حيث كان مقتصرًا على كتابة الدواوين والأشعار والأدب، مع قيام الدولة الأموية واهتمامها بالعمارة الإسلامية، بدأ الخط يدخل في تصميمات المباني مع الزخرفة الإسلامية، ثم انتقل استخدامه إلى الدواوين الحكومية حيث تم تطوير أنواع خاصة من الخطوط لتلبية الاحتياجات الرسمية.

الخط العربي بين الماضي والحاضر

وأضاف عبد الحميد أن الخط الكوفي كان البداية الحقيقية لظهور التنوع في الخطوط العربية، حيث ساهمت كل بيئة في إضافة طابعها الخاص إليه مما أدى إلى ظهور أنماط متعددة منه. وأوضح أن هذا التطور لم يتوقف عند الكوفي فقط، بل امتد إلى عصور لاحقة حيث ظهرت الحاجة إلى خطوط أخرى تناسب متطلبات الكتابة السريعة والنسخ. فظهر خط النسخ الذي تميز بسهولة قراءته واعتماده في كتابة المصاحف والمخطوطات، ومع التطور المستمر ابتكر خط الرقعة ليتناسب مع سرعة الكتابة في الحياة اليومية.

التحديات التي يواجهها الخط العربي

أوضح عبد الحميد أن مدارس الخط العربي نشأت برعاية ملكية حيث كان الملوك يشرفون عليها لضمان استمراريتها. لكن بعد التحول إلى النظام الجمهوري، ألحقت مدارس الخط العربي بوزارة التربية والتعليم، مما أدى إلى تراجع الدعم المخصص لها نظرًا لانخفاض الحاجة إلى الخط اليدوي مع ظهور الكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثة. هذا التراجع يشكل خطرًا على استمرار الخط العربي لأنه جزء من التراث الذي يجب الحفاظ عليه.

جهود الحفاظ على الخط العربي

رغم التحديات، هناك جهود تبذل للحفاظ على هذا الفن. حيث تقوم منظمة اليونسكو بدعم الخط العربي من خلال تنظيم مسابقات دولية، كما أن بعض الدول الأخرى بدأت تهتم بالخط العربي وتدرجه ضمن أنشطتها الثقافية. وهو أمر يدعو للأسف لأن مصر كانت الرائدة في احتضان الخط العربي وإنشاء مدارس خاصة لتدريسه، لكنها الآن تفتقر إلى هذا الاهتمام رغم تاريخها العريق في هذا المجال.

أداة أساسية في نسخ الكتب

أضاف الأستاذ عبد الحميد أن الخط العربي كان قديماً أداة أساسية في نسخ الكتب وإعداد الوسائل التعليمية وكتابة لافتات الأسواق والمحلات التجارية. ورغم ظهور الطباعة والتكنولوجيا الحديثة، لم يعد الاعتماد عليه كما كان في السابق. ورغم ذلك، يجب الحفاظ عليه نظرًا لارتباطه العميق بالتراث والعمارة الإسلامية.

شاهد على الحضارة

يظل الخط العربي شاهدًا على الحضارة الإسلامية، ورغم التطور التكنولوجي، لا يزال يتمتع بجمالياته الخاصة التي تميزه عن غيره من الفنون البصرية. ومع الجهود المبذولة من قبل بعض المؤسسات والخطاطين للحفاظ عليه، يبقى الأمل قائمًا في أن يستعيد هذا الفن الأصيل مكانته التي يستحقها.

عن admin

شاهد أيضاً

دور مميز لـ«السمسمية» في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية بالسعودية

آلة موسيقية تقليدية ترتبط بتاريخ منطقة الخليج دور مميز لـ«السمسمية» في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية بالسعودية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *