رموز فرعونية ونقوش عصرية ترسم ملامح الفرح
الحناء.. بين الفن والتراث في ليلة العرس المصري
متخصصة في رسم الحناء في مقابلة مع « وتد »
تعلمت رسم الحنة من صديقتي.. وكانت طريقي للفن
أكتر حاجة بتسعدني لما العروسة تضحك وهي بتبص على إيديها
كل رسمة ليها قصة.. وباختارها حسب شكل الجسم وذوق الزبونة
تقرير : ميسون ايهاب – دنيا طارق
منذ أن عرفتها مصر في عصور الفراعنة، لم تكن «الحناء» مجرد زينة، بل كانت لغة تحتفي بالحياة، ونقشًا يعبر عن البهجة، وطقوسًا تجمع بين الأصالة والجمال، في كل ركن من أركان مصر، من النوبة وأسوان إلى القاهرة، تحكي الحناء قصة فريدة تعكس عمق التقاليد وثراء الثقافة.
الحناء في التاريخ المصري
يعود استخدام الحناء في مصر إلى عصور الفراعنة، حيث استُخدمت في صبغ الشعر ورسم النقوش على الأيدي والأقدام. وتظهر نقوش الحناء في الرسوم الجدارية داخل المعابد والمقابر، ما يشير إلى ارتباطها بطقوس التطهير والجمال، وقد اعتُبرت رمزًا للحماية من الحسد وجلب البركة، ولهذا كانت جزءًا أساسيًا من طقوس الزواج وحتى التحنيط.
ليلة الحناء.. طقس لا يُنسى
اليوم، تحتل الحناء مكانة بارزة في الثقافة المصرية، إذ تُستخدم في المناسبات السعيدة، خاصة في حفلات الزفاف، وتُعرف «ليلة الحنّة» بأنها إحدى أهم طقوس العُرس المصري، حيث تجتمع النساء لرسم النقوش على أيدي وأقدام العروس في أجواء مبهجة مليئة بالغناء والاحتفال.
وتقول نانسي، فنانة متخصصة في رسم الحناء: ليلة الحنّة بالنسبة لنا كمصريين ليلة مليانة بهجة ودفا، بتجمع العيلة والصحاب حوالين العروسة قبل يوم فرحها. الطقوس دي، مهما كانت بسيطة، بتفضل محفورة في الذاكرة.
الاحتفال يكون عادة في بيت العروسة أو قاعة صغيرة، حيث تُزيّن الأركان بالزهور والشموع، وتتلألأ الألوان المبهجة. وترتدي العروس قفطانًا أو جلابية بألوان زاهية كالأحمر أو الذهبي، وتُزيّن يديها وأقدامها برسومات الحناء.
وتضيف نانسي:الفرحة ما بتكملش من غير الأغاني الشعبية زي (يا حنة يا حنة) و(زفوا العروسة يا ولاد)، والبنات والستات بيرقصوا حوالين العروسة.
أجواء متكاملة
وتضيف نانسي: ليلة الحنّة لا تخلو من الأطعمة والمشروبات اللي بتدي نكهة خاصة للاحتفال. بنقدّم صواني الحلويات زي الكنافة والبسبوسة، والمشروبات زي السوبيا، الكركديه، والتمر.
الحناء.. فن من الطفولة
تحكي نانسي عن بدايتها في عالم الحناء: منذ طفولتي وأنا أحب الرسم، ورغم أني خريجة كلية التجارة، إلا إن شغفي بالفن خلاني أبدأ برسم الحنة من 15 سنة. صديقتي علّمتني الأساسيات، وكان سهل عليّ لأني بحب الرسم.
وتوضح أن تحضير الحناء لا يقتصر على عجنها فقط، بل يشمل تجهيز أدوات مثل «القرطاس» المصنوع يدويًا من البلاستيك والشريط اللاصق، لضبط سمك الخط حسب الرسم المطلوب.
وتقول: أنا بستخدم الحنة السودانية، وبخلطها بالماء، وأحيانًا الشاي أو مكونات نوبية زي المحلبية والسكر، وبسيبها تتخمر علشان اللون يطلع ثابت.
الحناء النوبية.. طقس خاص
تؤكد نانسي أن الحنة النوبية لها طابع مختلف، برائحتها القوية وطقوسها المميزة، حيث يُستخدم بخور خاص لتثبيت اللون، ويصاحب الرسم غناء نوبي مميز يعكس الروح النوبية.
الحنة النوبية مش مجرد نقش، دي طقس احتفالي كامل، بيخلينا نحافظ على تراثنا الجميل اللي اتعلمناه من أهل النوبة.
من الرموز الفرعونية إلى الأذواق العصرية
وتشير نانسي إلى أن الزبائن يطلبون نقوشًا متنوعة، ما بين رموز فرعونية مثل مفتاح الحياة، وعين حورس، وكف اليد، ونقوش عصرية بسيطة تناسب مختلف الأذواق، وكل زبونة بتختار الرسم المناسب لشكل جسمها، رسم كف اليد غير الرقبة أو الظهر أو القدمين.
تجهيزات مهمة لنجاح الرسم
وتنصح نانسي بضرورة تجهيز المكان قبل البدء في رسم الحناء: لازم المكان يكون جيد التهوية ومش زحمة علشان الزبونة تبقى مرتاحة، وكمان الجسم لازم يكون جاف وغير ملتهب علشان اللون يثبت.
عودة الحناء في مواجهة التاتو
مع انتشار التاتو، بدأت الحنة تستعيد مكانتها، خاصة لدى من يرفضون التاتو لأسباب دينية. وتضيف نانسي أن الرجال أيضًا بدأوا في طلب نقش الحناء، ما يعكس تغير نظرة المجتمع لهذا الفن.
الحنة.. مهنة وفن وتراث
تختتم نانسي حديثها قائلة: أكتر حاجة بتفرحني لما أشوف العروسة مبسوطة برسمة الحنة، خصوصًا لما تفضل معاها وقت طويل. الحنة بالنسبة لي مش بس مهنة، دي فن فيه روح وجمال، بيجمع بين التراث والحداثة.