ترويها : حبيبه علي
في قرية «النخلية» الهادئة، جنوب ريف الصعيد، يعيش حسن المصري، رجل في الثانية والثمانين من عمره، يحمل ملامح الأرض التي حرثها بيديه، ويحفظ في ذاكرته حكايات الزمن الجميل التي طالما حكاها لأحفاده حول «الكانون» في ليالي الشتاء الطويلة.
فلاح بسيط، قضى عمره في بيت العائلة، بين زراعة الأرض وتربية الأولاد، لكنه كان دائمًا صاحب حكاية، يرى في السرد وسيلة لتربية الأحفاد وربطهم بجذورهم.
الحكاية وسيلة للتربية
حين سُئل الجد حسن عن الحكايات التي كان يحب أن يرويها قبل النوم، ابتسم وقال:
«يا بنتي، أنا كنت دايمًا بحكيلهم عن أبو رجل مسلوخة، والنداهة… دي كانت ستّ بتطلع بالليل من وسط الزرع، وتنادي باسمك، ولو رديت… تروح وما ترجعيش!
كنت بخوفهم بيها علشان ما يهربوش من الدار بالليل. بس كنا بنضحك بعدين، وأقولهم: هي حكاية بس… بس لازم تسمعوا الكلام.»
كان الجد يستخدم الحكاية كأداة للتربية والضبط، لكنها كانت أيضًا لحظة دافئة تجمعه بأحفاده، ووسيلة لإشعال خيالهم وتوسيع مداركهم.
الجمعة والعيد… طقوس اختفت
وعن العادات التي تبدلت، قال الجد حسن بحسرة:
«زمان يا بنتي، كان يوم الجمعة ليه طعم… نفطر فول بالزيت والليمون، ونلبس أنضف هدوم، ونزور جدتك الكبيرة. دلوقتي الناس بتطلب الأكل دليفري ومش بتزور حد.»
وتابع:
«العيد كمان كان فرحة، نشتري لبس جديد من السوق، وناخد العيدية ونجري نلعب في الشارع. دلوقتي كله ماسك موبايله، والعيد بقى يوم عادي.»
كانت كلماته مليئة بالحنين لأيام كانت فيها البساطة تملأ البيوت، وكان للروتين العائلي معنى لا يُعوّض.
أول حكاية لا تُنسى
وعن أول حكاية سمعها في طفولته، قال:
«جدتي كانت تحكيلي عن ست الحسن والجمال… بنت فقيرة لكن طيبة، كانت بتساعد الحيوانات في الغابة، وفي الآخر الأمير حبها واتجوزها، مش علشان شكلها، لكن علشان قلبها الطيب.
كانت جدتي تحكيها بصوت هادي، ودايمًا تقوللي: الكلمة الطيبة تفتح لك ألف باب، يا حسن.»
وصية الجد للأحفاد
في نهاية الحديث، وجه الجد حسن رسالة لأحفاده، قالها بنبرة فيها حنان وحكمة:
«الزمن بيتغير، بس الحكاية الحلوة بتعيش… خليكوا دايمًا فاكرين أصلوكو، واسمعوا حكايات الجدود، علشان تعرفوا أنتوا مين.»
مجلة وتد إعلام الشروق
