أخبار عاجلة

الجدة زينب القناوية حارسة الحكايات وذاكرة الجنوب

ترويها: نورهان اسامه

في قلب مدينة قنا، جنوب الصعيد، تعيش زينب القناوية، سيدة مصرية أصيلة تبلغ من العمر 84 عامًا، تحمل في صوتها نغمات الطبلة ونفحات البخور، وتختزن في ذاكرتها مئات الحكايات الشعبية التي رافقتها منذ الطفولة.

كبرت الجدة زينب وسط طقوس الزار، تحفظ إيقاعه وتفاصيله كما تحفظ طريق بيتها. كانت تداوم على حضور جلساته، لا خوفًا من الجن، بل بحثًا عن التخفف من الهمّ والرقص الذي يحرّر الأرواح، كما تقول. لكنها عُرفت بين أهل حارتها وأحفادها بأنها حكّاءة بالفطرة، تُمسك الحكاية بيدها كمن يشكّل الطين، وتحكيها بصوت رخيم، وتحركات دقيقة من يديها، تُحوّل بها الغرفة الصغيرة إلى مشهد درامي حي.

“اللي ما يسمعش حكايات جدته، ما يعرفش طريق روحه.”

بهذه العبارة كانت تفتتح جلسات الحكي لأحفادها، الذين أجمعوا على أن جدتهم لم تكن تحكي فقط، بل تُدخِلهم إلى قلب الحكاية، تجعلهم جزءًا منها، يعيشون لحظاتها، ويتنفسون تفاصيلها.

سألنا الجدة زينب:

– يا تيتة، كنتِ بتحكي إيه لأولادك وأحفادك زمان؟

ابتسمت وقالت:

– كنت بحكي لهم عن “الغولة أم السبعة روس”، اللي كانت ساكنة في الجبل، وكل سنة تنزل تاخد طفل من القرية. بس فيه ولد شجاع اسمه حامد، خبّى نفسه في قفة رز، وراح للجبل، وقطع راسها السابعة بالسيف اللي مدفون تحت النخلة الكبيرة.

كلهم كانوا يتخضوا، بس في الآخر أضحك وأقولهم: الغولة مش حقيقية… بس الشجاعة حقيقية.”

وعن أول حكاية سمعتها وهي طفلة قالت:

– جدتي كانت بتحكيلي عن “المندل”، اللي لو اتعمل صح يوريك اللي قلبه مش صافيلك. كنا نقعد حواليها، وهي تحط المندل قدام مراية، وتقرأ آيات، وإحنا مرعوبين وساكتين. بس دايمًا كانت تقولنا: “مفيش أقوى من نيتك الطيبة… ولا أضعف من الحسد لما يلاقي باب مقفول.”

كان لحكايات زينب طقوس لا تخطئها العين. قالت:

– آه يا بنتي، كنت أطفي النور، وأولّع قنديل صغير، وأقعد على الأرض وأخبط برجلي وأنا بحكي، عشان يخافوا شوية ويتحمسوا أكتر.

وكان لازم بعد كل حكاية نغني أغنية خفيفة قبل النوم، عشان ميحلموش بكوابيس.”

وعن التغيّرات التي شهدتها عبر الزمن، تنهدت قائلة:

– الزار بقى يتسخروا منه، زمان كان له رهبة وطقوس، وكنا نحضره مش علشان الجن… لأ، علشان نفضفض ونرقص ونفك همّنا.

دلوقتي البنات بيتكسفوا يرقصوا قدام بعض أصلاً.

وكمان زمان كنا نسيب الباب مفتوح للضيف… دلوقتي بنقفل الباب ونتأكد من الكاميرا.”

وحين سألناها عن رسالتها لحفيدتها التي تهتم بالفلكلور، ابتسمت بحنان وقالت:

– أقولها: “اكتبي، يا حبيبتي… واكتبي بلهجتنا، وبطريقتنا، لأن اللي مش هيكتب حكايات جدته، هييجي يوم ومش هيصدق إنها كانت موجودة.”

عن admin

شاهد أيضاً

البشعة.. إرث قضائي في تراث مصر البدوي

محكمة الصحراء التي تفصل بين الشرف والعار البشعة .. إرث قضائي في تراث مصر البدوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *